• من حسن البنا إلى رجب طيب أردوغان: إلى أين تمضي حركة النّهضةالإسلاميّة في تونس؟

    “تدهش حركة النهضة الإسلامية التونسية هذه الأيام أنصارها وخصومها على حدّ سواء، فالجميع تقريبا يحاول أن يفهم المسافة التي قطعتها حركة إسلامية طالما وصفت من قبل أعدائها بالأصولية بل وبالإرهاب أحيانا، كي تحط رحالها عند تحالف مع حركة نداء تونس التي يعتبرها منتقدوها مجرد إعادة تدوير سياسي لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ذلك النظام الذي سامها سوء العذاب ولم يمنحها يوما فرصة المشاركة الاجتماعية فضلا عن السياسية”. 

     يصر قادة حركة النهضة الإسلامية التونسية في تصريحاتهم على أن حركتهم تعبر عن فكرها ومواقفها من خلال حزب سياسي مدني، منفتح وحيوي حسم موقفه من الديمقراطية باكرا. وفي ظل قصف نقدي مركز، يتهم خصوم النهضة خطابها وسلوكها السياسي بالإزدواجية، مؤكدين في كل مناسبة أنها تعلن غير ما تبطن، وأنها إنما تدعي الديمقراطية لاستعمالها للوصول إلى الحكم، كي تمارس بعد ذلك تجربة في الحكم يجزمون أنها لا تختلف في الجوهر عن تلك التجارب التي قامت في إيران وأفغانستان والسودان.

    ترد النهضة بأنها ومنذ ندوتها التأسيسية سنة اثنتين وثمانين من القرن المنقضي، أعلنت التزامها المبدئي بالديمقراطية، راسمة بذلك قطيعة بمستوى ما مع بداياتها تحت عنوان “الجماعة الإسلامية” المتأثرة إلى حدّ ما بالفكر السلفي. قالت الحركة التي كانت تسمى أيامها “الاتجاه الإسلامي” إنها تؤمن بالعمل ضمن الشرعية وتسلم بمنطق الانتخابات ونتائج صناديق الاقتراع، وتعهدت على لسان رئيسها الشيخ راشد الغنوشي بأنها ستقبل بما يريده الناخب التونسي حتى لو كان الفائز حزبا شيوعيا.

    أعلت الحركة في مستوى خطابها من قضية الحريات، وطالبت بها للجميع ومدت جسورا للتواصل مع مكونات المشهد السياسي، مستفيدة من دخول تونس البورقيبية مرحلة التعددية السياسية في ظل حكومة الراحل محمد المزالي. مسار بقي محكوما بهواجس سياسية وأزمة ثقة عميقة بين الإسلاميين الذين وجدوا فيه امتدادا لخيارات بورقيبة العلمانية التي اصطبغت باستبداد سياسي أبوي قمعهم مثلما قمع قبلهم اليساريين والقوميين.

    وبينما كانت حركة “الاتجاه الإسلامي” تتراوح بين مساعيها  للاندراج في المشهد السياسي ومواقفها الراديكالية بخصوص الدولة والمجتمع، آلت الكلمة مع الانتقال من حكم بورقيبة إلى الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى الحل الأمني، قليلا بعد متنفس بسنتين أغدق فيهما بن علي وعودا أخلفها بخصوص الانفتاح السياسي وتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان.

    أيا يكن الحال، لم يكف تغيير الحركة اسمها من “الاتجاه الإسلامي” إلى “النهضة” لطمأنة النظام، ولم تكف أيضا لتلافي ما تصفه أدبياتها بالمحنة في إشارة إلى حملة أمنية استئصالية شرسة، سعت لشطب الإسلاميين من المشهد نهائيا، مستفيدة من توجه عالمي لمحاربة ما يوصف بالإرهاب، في ظل مفاهيم فضفاضة، لم تأل آلة بن علي الأمنية والإعلامية في توسيعها حتى تشمل “النهضة” بعيدا عن التحفظات الغربية.

    نكل نظام بن علي بمن لم يستطع أن يفلت من الإسلاميين من “محرقة التسعينيات”، غير أن من رمت المهاجر معاطفها وخبأتهم على حد تعبير غنائية “أحمد العربي”، وجدوا لاحقا في ضارة منفاهم القسري نافعة لعبت دورا أساسيا في التأثير على خطهم الفكري والسياسي لاحقا.

    في أحد أحياء لندن استقر الشيخ راشد الغنوشي، وفي واحدة من شققها أمضى أوقاتا طويلة يراقب تطورات الوضع في تونس، ويعيش ما يشبه المحاسبة الداخلية التي فاضت عن أطر الحركة المربكة بأوضاعها الجديدة لتستقر معارك على صفحات الإنترنت، حمله ضمنها فريق من مريديه مسؤولية ما آل إليه الوضع في تونس، كما أنفق الغنوشي كثيرا من الوقت في تلك المرحلة يتأمل مفارقة طبعت تفكيره بعمق، فبريطانيا التي تعتبر في الأدبيات الإسلامية التقليدية دار كفر، منحته اللجوء السياسي ورفضت تسليم رقبته لحكم بالإعدام صدر بحقه من قبل قضاء بن علي، وفي مقابل النظام الديمقراطي البريطاني الذي أبهره بعراقته ورسوخ تقاليده والسقف العالي للحريات فيه، أدارت نظم عربية وإسلامية بينها السعودية ظهرها له، وانخرطت بنحو ما في حملة شيطنة الحركة وزعيمها.

    في تلك المرحلة بالذات، أنجز الغنوشي ما يمكن وصفه بــ”الحسم الثاني”، فبعد اعتناق الديمقراطية منهجا في تدبير الشأن السياسي وتبني عقيدة سياسية جوهرها الإيمان بزواج ممكن بل وراجح النجاح بين الإسلام والديمقراطية وإن شئت فقل الإسلام والحداثة، ذهب الغنوشي إلى التحرش بخطوط حمر ومسلمات إسلامية وإخوانية تقليدية فيما يشبه التطبيق العملي الجزئي للمنظور الشامل الذي يستند للديمقراطية.

    في كتابه “الحريات العامة للدولة الإسلامية” رجح الغنوشي أن المرتد العقدي ليس حكمه القتل في الإسلام، وبذل جهدا مشهودا ليؤصل لهذه المسألة التي تبدو للوهلة الأولى فقهية، غير أن نظرة متعمقة تعرف أنها تمس في الجوهر واحدا من أهم العوائق “القانونية” التي تقف في وجه إجراء المنظور الديمقراطي من منطلق إسلامي، ذلك أن ما طرحه الغنوشي أخرج اعتناق الأديان والمذاهب والإديولوجيات من الحيز العقائدي الصارم، إلى وسع وجودي وسياسي أساسه الإيمان بأن “لاإكراه في الدين”.

    كان راشد الغنوشي وحسن الترابي، شيخين يغردان خارج السرب الإخواني، غير أن الفارق بينهما كان أن الأول كان “يتمتع” بإقصاء حركته سياسيا وما فرضه ذلك من جمود سياسي عليها ليعمق رؤيته الجديدة ويذهب بعيدا عن الأرثوذوكسية الإخوانية، بينما انهمك الثاني في ما وصف بـ”المشروع الحضاري” في سودان الانقلاب الذي نفذه البشير، ثم بعد ذلك في المعركة بين الشيخ ومريده العسكري الذي استسلم في نهاية المطاف للعشق القديم بين عسكر المنطقة العربية وكراسي الحكم فيها.

    عسكر المخلوع بن علي الحياة السياسية وأحكم قبضته على تونس، ولم يشعر في أي من مراحل حكمه عدا مرحلة السقوط والهروب بحاجة لعقد صفقة ما مع حركة النهضة، رافضًا باستمرار كل الوساطات واحتمالات التسوية والتطبيع معها. وفي الوقت الذي استيأست فيه قيادات وقواعد النهضة وباتت الحركة أشبه بالنوستالجيا التاريخية التي شرعت تتماوت لظروف أغلبها مفروض عليها، أحدث فريق من الشعب التونسي المفاجأة وأسقط الدولة البوليسية مستفيدا من موقف إيجابي للجيش التونسي من ثورة 14 يناير 2011.

    عادت حركة النهضة إلى الانبعاث من جديد، وشغلت حيزها في الفضاء العام ثم في الشرعية السياسية بعد ذلك، وكافأها الناخب التونسي لنضاليتها وتضحياتها المشهودة في وجه دكتاتورية بن علي، بيد أن تحديات الحكم وحدة الاستقطاب السياسي، شكلت بوادر مرحلة قاسية اقتضت المرور من أريحية التفكير النظير إلى إكراهات التحديات العملية، وها هنا تبينت مجددا محدودية الفكر المناقبي الإخواني المنغمس في التنظير لما ينبغي أن يكون أكثر من انصرافه للتعاطي مع ما هو كائن بالفعل.

    جدد رموز النهضة تمسكهم بالثوابت الديمقراطية مع محاولة للموازاة بين ذلك ومراعاة مرجعيتها الإسلامية، لتجد الحركة نفسها بين مطرقة تيار علماني متمرس بالمناكفات السياسية وآخر سلفي صاعد شرع يتمدد في الفضاء العام ويقدم نفسه تعبيرة أكثر “ثورية” وأصالة مقابل “إسلام النهضة”. حتى إذا جاء حين من الدهر طرحت فيه قضية التنصيص على الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع في تونس على أعتاب كتابة دستور جديد للبلاد، دقت عندها ساعة الحقيقة وآن أوان القرارات الصعبة، ورغم دغدغة شعار تطبيق الشريعة لمشاعر الإسلاميين بقوة، اختار الشيخ راشد الغنوشي القرار الأصعب وهو عدم مساندته لهذا المطلب بناء على أن الدستور ينص في مادته الأولى على أن “تونس دولة عربية الإسلام دينها والعربية لغتها”.

    أحرق الغنوشي مراكب كثيرة بحسمه ذاك، واقطع ما تبقى من حبال الوصل والتواصل بين النهضويين والسلفيين خاصة الجهاديين منهم، لتأتي لاحقا مرحلة الاغتيالات السياسية ودخول البلاد في صدام بين مؤسستيها العسكرية والأمنية من جهة وجماعات مسلحة منسوبة للتيار السلفي الجهادي.

    لم يكن كثيرون وقد يكون الغنوشي أحدهم يدرك أنه وحركته يستعدان لتحول عميق في الخط الفكري والسياسي “لإخوان تونس”، لعل بوادره الأولى انطلقت مع رفض التنصيص على الشريعة مصدرا حصريا للقانون التونسي، إلا أنها تكثفت مع زيارة للشيخ راشد إلى الجزائر، استبق لقاءه الحار مع الرئيس بوتفليقة بتصريح ملفت للصحافة الجزائرية قال فيه “جئنا نتعلم الديمقراطية من الجزائر”.. وهو التصريح الذي يتجاوز المجاملات الدبلوماسية إلى إدراك عميق لوزن الشقيقة الجارة الكبيرة، وقراءة لمشهد سياسي فيها لم يرض إسلاميي الجزائر أنفسهم، مما خلق عندهم حرجا ما أمام مديح أخ الخندق الإخواني لنظام اشتكوا طويلا فساده وديمقراطيته الشكلية. لكن الشيخ راشد الغنوشي كان يعي فيما يبدو، أن المشهد المحلي والإقليمي وهشاشة الربيع العربي في بلد مثل تونس تقتضي مرونة بالغة ومسافة من الخطاب الحدّي الذي يصبّ زيت الراديكالية على نيران أزمات بلدان تترنح تحت وطأة الإخفاق التنموي والسياسي.

    بين أخذ وردّ مكتومين داخل أروقة النهضة، ذهبت الحركة أكثر في اتجاه براغماتيتها سواء بقناعة أو بفعل الضغط الذي مارسته الأحزاب المعارضة للترويكا التي قادها النهضويون في الحكم إثر انتخابات المجلس التأسيسي، وتوقف التونسيون عن بوادر تغييرات كبيرة ومثيرة للجدل للشيخ الغنوشي، فالرجل عاد من رحلة باريسية ليمدح حزب نداء تونس، بعد أن قال قبل ذلك إنه أخطر على تونس من السلفية الجهادية، وكان واضحا أن تبدل المعادلة السياسية وما فرضه اغتيال المعارضين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي من معطيات جديدة، جعلت الرجل يدرك أن ألغاما خطيرة باتت تعترض طريق حركته، خاصة بعد أن أسقط انقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ليبدأ حملة أمنية شرسة ضد إخوان مصر.

    انطلقت النهضة في خطابها الجديد من أمور عدة لعل أهمها قراءة تاريخية للمشهد التونسي، تقول إن الإسلاميين وتونس عامة دفعت ثمن المواجهة بين الإسلاميين والدستوريين ورثة مدرسة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وهي المواجهة التي أذكاها واستفاد منها اليسار التونسي خاصة بعد هجرته التاريخية نحو التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب الرئيس المخلوع بن علي في بواكير حكمه، وقدر الغنوشي أن تثبيت شرعية الوجود السياسي للإسلاميين في البلاد مقدم على غيره من الاعتبارات.

    ولعل اليسار التونسي ممثل في الجبهة الشعبية التي تضم قوميين أيضا، كان واعيا بالمعركة على هذا الصعيد لما اشترط على الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي بعيد انتصار حزبه نداء تونس في رئاسيات وتشريعيات 2014 استبعاد حركة النهضة للالتحاق بأي تحالف حكومي يقود البلاد في مرحلة الاستقرار السياسي. وإلى يوم الناس هذا، يستمر الجدل في تونس حول فكر ومواقف ودور حركة النهضة فيما آلت إليه الأمور في البلاد، بين من يرى لها دورا رئيسيا في تجنيب التونسيين المحارق المصرية والليبية والسورية، وفريق آخر يتهمها بلا هوادة بالنفاق السياسي والفشل في تجربة الحكم وبالوقوف وراء ظاهرة الإرهاب إن فعليا أو رمزيا.

    على أن حركة النهضة التي جابهت منتقديها بالإمعان وبمستوى غير مسبوق في الشدّ من أزر حركة نداء تونس التي لم تدخر جهدا في إسقاط حكم الترويكا، ليس فقط بالشراكة في الحكم من خلال حقيبة وزارية هي وزارة التشغيل ممثلة في القيادي النهضوي زياد العذاري، وإنما كذلك بتصريحات تنم عن تحالف وتوافق واستعداد للمضي بعيدا في تقديم تنازلات وخدمات كي تعبر تونس محنها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الضاغطة.

    لم يخف الشيخ راشد الغنوشي إعجابه بل وافتتانه بالتجربة التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، فالرجل تعددت زياراته إلى اسطنبول حيث التقى مرارا رجب طيب أردوغان وأحمد داوود أوغلو وعبد الله غل قبل ذلك، فيما يشبه لقاءات وثقت لتبادل للخبرات بين الساحتين التركية والتونسية. فالقادة الأتراك يعرفون كتابات الشيخ راشد الغنوشي ويستلهمون منها ما شكل إحدى مرجعيات خطهم الفكري والسياسي، بينما يجد النهضويون قادة وقواعد في تركيا نموذجا تطبيقيا يعتبرونه ناجحا لفكرة التعايش الإسلامي العلماني.

    تتكرر الزيارات لتظهر في ثنايا كل منها مظاهر الحفاوة، دون أن تخفي المفترق الذي تقف أمامه حركة النهضة الإسلامية في تونس، ذلك الغنوشي يعرف بلا شك أن الخط الأردوغاني ولد ضمن معركة مستمرة لليوم مع الخط التقليدي في الحركة الإسلامية التركية سواء كانت ممثلة في حزب السعادة الذي أسسه نجم الدين أربكان، أو جماعة فتح الله كولن التي دخلت في صراع مفتوح مع أردوغان. كما يدرك الغنوشي الأثمان التي دفعها أردوغان حتى حجز له مقعدا بارزا في الساحة التركية والإقليمية في انتظار أن ينضم للنادي الأوروبي، فالرجل لم يقطع علاقات بلاده بإسرائيل مكتفيا بمناكفات ضرفية معها، بل وزار إسرائيل والتقى قادتها ومنهم أرئيل شارون وصافح رموزها وخطب في مؤسساتها وأسهب في التطرق للعلاقات العريقة بين الشعبين والدولتين.

    ها هنا يطرح السؤال ملحا حول السقف الذي قد تصل إليه مرونة حركة النهضة وبراغماتيتها، فكما يستمر التركيز على مدة صدقها ونجاحها في تحقيق معادلة الإسلام والديمقراطية، يبدو من المشروع معاينة مدى استعدادها للمضي في “الخيار الأردوغاني”.

    في الإجابة عن هذا السؤال يبدو من السابق لأوانه الحسم في اتجاه ما، غير أن المتابع ليس بوسعه سوى أن يتوقف عند إشارات عدة، فحركة النهضة تخلت عن مشروع قانون تحصين الثورة ولم تتمسك بمشروع قانون تجريم التطبيع، وذهب نائب رئيسها الشيخ عبد الفتاح مورو يؤبن “يوئاف حطاب” اليهودي التونسي ابن أحد القيادات اليهودية البارزة في البلاد، لكنه وهو الذي قضى في هجوم “شارلي هيبدو” في باريس، نشرت له وسائل إعلام ومواقع إلكترونية صورا تثبت حسب ناشريها جنسيته الإسرائيلية وانتماءه لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

    مع كل ذلك تبقى أهم إشارتين حمالتي معان هما حديث القيادي لطفي زيتون في مداخلة تلفازية عن أن الحركة لم تعد إخوانية بالمعنى المتعارف عليه وأنها حسمت طريقها في اتجاه “التونسة” الكاملة، وما تسرب إلى الآن عن مؤتمر النهضة المرتقب من أنه سيكون مؤتمرا مضمونيا سيقدم قراءة جديدة للواقع التونسي ولدور النهضويين فيه. قراءة تستند إلى مستجدات من بينها ما قيل عن توحيد الموقف النهضوي ما وصف بـ”الآباء المؤسسين”.. ضمن بحث عن مصالحة مع تاريخ الحركة الوطنية التونسية، يقع ضمنه الاعتراف بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مصلحا وبانيا للدولة الحديثة بعد أن كان الغنوشي يرفض الترحم عليه وفاء لعشرات من النهضويين قضوا تحت التعذيب في زنازين أجهزته الأمنية، وبالتزامن مع ذلك يقع طرح الشيخ عبد العزيز الثعالبي المصلح التونسي الذي أسس للعمل الوطني باعتباره “جدا مشتركا” للعائلتين الإسلامية والدستورية، وهو المفهوم الذي لاقى ترحيبا حذرا من قادة وقواعد نداء تونس في ظل معركة مفتوحة بين شقين أحدهما يساري يدرك جيدا المغزى الرمزي والعملي لهذه البادرة النهضوية.

    في كل الأحوال لا تكف حركة النهضة على ضوء ما جدد التعبير عنه القيادي ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، عن التأكيد على أن النهضة على قدر عال من المرونة والحيوية والاستعداد للتفاعل مع الواقع بعيدا عن أي منطق شمولي أو إيديولوجي متكلس، لكنه لم يقل إلى أي حد يمكن لحزبه أن يذهب في هذا السبيل محافظا على صفته الإسلامية وعلى وحدة قياداته وقواعده.. وذلك هو التحدي الأكبر لحركة لا تبدو وفق مؤشرات بعيدة بالرمة عن العودة إلى حكم تونس في ظل الإخفاق الذريع لتجربة حكم حركة نداء تونس التي تعاني يوما بعد يوم من اتساع الهوة بين وعودها الانتخابية وحصاد حكومة الحبيب الصيد

     

    Partager via Gmail Delicious Yahoo! Pin It

    votre commentaire
  • الشاهد 

    الالتفاف المخيف حول الغنوشي ..

     قال لي احد الاصدقاء "نقابي" كان يتابع حوار زعيم النهضة على الجزيرة ان الغنوشي يتطور بسرعة ، قلت له في الحقيقة الرجل لا يتطور بالسرعة التي يصفها البعض لان ذلك الايقاع من خصائص الشباب الذي مازال يسعه العمر للتفريغ والتعبئة من جديد ، اما الغنوشي فيمكن القول انه يهضم المستجدات بسرعة ولديه ثروة فكرية خاملة يتم تحفيزها تباعا خاصة خلال الازمات ، اضافة الى قدرته على تصريف محصوله المكتنز في الوقت المحدد والمكان المناسب . في المحصلة يمكن القول ان العديد من متابعي الغنوشي وحتى من محيطه القريب تعاملوا معه فقط وفق السلوك الفكري والسياسي المستهلك الذي دخل طور العمل ، ولم يتفطنوا الى ان خابية الرجل عميقة وحمالة ، وقد لا تكون قدرة الغنوشي في المبادرات وانما في علاج المشكلات ، لانه عادة ما يتمدد في العواصف ويطل بأفكاره و يعود لينكمش في حالات الهدوء ، وعلى عكس الكثير من السياسيين و المفكرين يصاب آداء الغنوشي في مراحل السكون والحراك الآلي الروتيني بالضمور اين تنطوي قريحته السياسية وتسترخي طاقة الضخ لديه .

    أعاد التفاعل الايجابي والواسع لابناء النهضة مع حوار الغنوشي على الجزيرة والاحتفاء بردوده وتثمينها ، هاجسا طالما تجاهلته النهضة وتبرمت من طرحه ، وحاولت بعض قياداتها الهروب الى الانكار ، اذْ لا يمكن بحال المرور عرضا على حالة الالتفاف التي يصنعها الغنوشي وتعويم رمزيته الناتجة والقادرة على الربط و التمْسيك . صحيح انه لا خلاف في ان النهضة تملك قيادات متميزة وغير متباعدة في الأداء ، لكن الاكيد ان المسافة الفاصلة بين الغنوشي وبقية الرموز النهضاوية مخيفة ، وان أي غياب للرجل قد يصيب الجسم بحالة من التلعثم اقله في المرحلة الاولى ، ليس لان الغنوشي بذلك التميز الكبير او لانه عُمق السياسية وهم حواشيها ، بل لانه يحسن التعامل الى حد بعيد مع "البسكولة" ولديه حس رهيف يجعله يقارب بشدة ولا يخسر الميزان ، وهي حرفة تصنعها التجربة والجرأة المدروسة بعناية.

     

    يعود بروز الغنوشي بقوة لخبرته في توقيت الاندفاع ونجاحه في الاختراق حين يَهمّ ، وذلك نتيجة اكتسابه لجرأة المبادرة وايضا انطلاقا من تجربته الطويلة على رأس الحركة ، واحسب ان ملكات الغنوشي لم تتخلق في جزيرة معزولة عن بقية قيادات وابناء الجسم النهضاوي ، لذلك تجدر الاشارة الى ان المبادرة الذكية والجرأة التي لا تخدش الانضباط التنظيمي من شأنها تصعيد عناصر اخرى وتقريبها لتلتحم بالرقم واحد في التنظيم ، وعلى قيادات النهضة عدم العزوف عن المنافسة اذا كانت مسيّجة بأخلاقيات عامة متعارف عليها ، لأنه وفي كل الاحوال لن يكون الغنوشي على رأس النهضة بعد سنوات طالت ام قصرت ، لذلك وجب تخصيب رمزيات جديدة تحاكي الغنوشي وتكون جاهزة لاخذ المشعل في أي وقت وقادرة على سد الفراغ بل وتقديم الاضافة ، ولا يجب الخضوع لمبدء دعها حتى تقع ولا الى الغلو في الاستعفاف والتوسع في الزهد.

     

    في ساحة متعثرة ، واحزاب مخرومة لا تكد تلم شملها الايسر حتى ينخرم الايمن ، تقف النهضة متماسكة ملتفة حول قياداتها وخاصة حول زعيمها ، تلك نتيجة لذيذة لا يجب الركون اليها ، ليس على الغنوشي ان يخفض من سرعة انتاجه ، بل بالعكس ففي ساحة ما بعد الثورة وامام مشروع واعد يتعرض الى الهرسلة على الغنوشي ان يمر الى السرعة القصوى ، مقابل ذلك على قيادات النهضة ان تجهز انامل اخرى بديلة قادرة على مداعبة نسيجها المتباين والتعامل معه بعقلية جامعة تحسن ادراة مفارقاته .. وعلى الحركة ان لا يخالطها الاطمئنان المقعد حين تقيس وضعها بوضع نظرائها في الساحة ، عليها ان تقيس وضعها بالمأمول ، بالنجاح ، بضخامة التحديات .

    نصرالدين السويلمي 

     

     

    Partager via Gmail Delicious Yahoo! Pin It

    votre commentaire
  • النهضة والمهمّة التاريخية : من مقاومة الانقلاب إلى ترسيخ الديمقراطية في تونس

     

     

    1- الديمقراطية في تونس  بين الحقيقة والخيال

    حدثت في تونس ثورة 17ـ14 سماها المجلس التاسيسي “ثورة الحرية والكرامة”… لكن هل كان بإمكان “الثورة” أن تحقق شيئا من أهدافها كمقاومة الفقر والبطالة ا وان تصمد أو أن تمنع الأسوأ كالانقلاب أو الحرب الأهلية ؟ 

    لم تقبل الجهات الخارجية والإقليمية بثورة الحرية والكرامة وبديمقراطية تونسية وتجندت لذلك المخابرات في الجوار وفي الإقليم وفي الشرق وفي الغرب 

    لم تقبل أطراف داخلية بتونس ايضا  ديمقراطية  تستوعب الاسلاميين او تعطي حق للمهمشين في اختيار من يحكمهم لان مصالحها تقتضي نظاما فسدا استبداديا  أما الدوافع فهي إما مادية أو إيديولوجية. 

    كانت مهمة النهضة الحفاظ على الانتقال الديمقراطي مهما كان الثمن … ونجحت في ذلك. 

    2- النهضة والمرزوقي 

    ظلت النهضة في تعاون وتواصل وتشارك مع مكونات الترويكا وخاصة الرئيس المرزوقي وظل قادتها يكنون له التقدير والاحترام وتمتع بدعم شعبي من قواعد النهضة دعما منقطع النظير ـ وكنت واحدا منهم ـ لإيماننا بان الرئيس المرزوقي حالة ثورية فعلا كما نعتبره رمزا للنضال السياسي و ضامنا للحفاظ على الحريات العامة والفردية … ولكن الخلل ظهر من حزبه الأول المؤتمر من اجل الجمهورية الذي تشظى إلى عدة أحزاب وخرج منه عدة” زعماء “لا يقبلون بالمرزوقي رئيسا او قائدا او زعيما  … (العيادي ، عبّو ، هميلة…). 

    واليوم في 2015 يبقى الرئيس المرزوقي ، وبمفرده وبغض النظر عن حزبه ، زعيما سياسيا قادرا على جمع أطياف عديدة من الناس حوله ومن مختلف الاتجاهات. 

    ولكن لا يفيده في شيء تهجم بعض المقربين منه على النهضة قيادة أو أنصارا  وعلى المقربين من الرئيس المرزوقي  تنظيم أدواتهم الحزبية للعمل والدعاية والإعلام …لان النهضة قد ترشح أحد قادتها في الانتخابات الرئاسية القادمة. 

    3- النهضة والإقصاء 

    تجنبت النهضة إقصاء التّجمعيين وهي بذلك جنبت البلاد مصيرا شبيها بما آل إليه الوضع في العراق بعد ” قانون اجتثاث البعث ” أو مصير ليبيا بعد إقرار    ” قانون العزل السياسي ” لان مصلحة البلاد أهم من مصلحة الحزب . 

    4-  النهضة والفكر السياسي 

    حضرت نقاشات سياسية ثرية ومنها في إطار الاستعداد المؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة ولاحظت عمق تناول القضايا ويمكن أن نجيب من  يتساءلون لماذا تتخذ النهضة الموقف كذا او كذا بان حركة النهضة تدرك أهمية الأولويات : 

    أ : الحفاظ على الدولة 

    ب : أهمية استمرار المسار الديمقراطي 

    ج: ضمان التعايش السلمي بين جميع التونسيين على أساس الدستور والقانون 

       إنّ حركة النهضة  تدرك حجم الأخطار المحدقة بالبلاد…  من الجوار الإقليمي  و من الداخل و في تكامل للأدوار . . . ويمكن أن أشير إلى أن من لا يقرؤون حجم الدمار القادم إلينا من داعش ليبيا إنما يعيشون خارج الجغرافيا وخارج التاريخ … ويكفي أن نشير أيضا  أن إغفال إسهام الحكومة التونسية في إيجاد حل سياسي في ليبيا هو إهمال للأمن القومي التونسي 

    النهضة تنتظر إلى الوضع التونسي بروح المسؤولية للحفاظ على البلاد والعباد.
    . 

    القلم الحرّ إسماعيل بوسروال 

    Partager via Gmail Delicious Yahoo! Pin It

    votre commentaire



    Suivre le flux RSS des articles
    Suivre le flux RSS des commentaires