• راشد الغنوشي ثورة فكرية تبحث عن وريث بقلم نصر الدين السويلمي

    راشد الغنوشي ثورة فكرية في إنتظار وريث بقلم نصر الدين السويلمي

    قال لي احد الاصدقاء “نقابي” كان يتابع حوار زعيم النهضة على الجزيرة ان الغنوشي يتطور بسرعة ، قلت له في الحقيقة

    الرجل لا يتطور بالسرعة التي يصفها البعض لان ذلك الايقاع من خصائص الشباب الذي مازال يسعه العمر للتفريغ والتعبئة من جديد ، اما الغنوشي فيمكن القول انه يهضم المستجدات بسرعة ولديه ثروة فكرية خاملة يتم تحفيزها تباعا خاصة خلال الازمات ، اضافة الى قدرته على تصريف محصوله المكتنز في الوقت المحدد والمكان المناسب .

    في المحصلة يمكن القول ان العديد من متابعي الغنوشي وحتى من محيطه القريب تعاملوا معه فقط وفق السلوك الفكري والسياسي المستهلك الذي دخل طور العمل ، ولم يتفطنوا الى ان خابية الرجل عميقة وحمالة ، وقد لا تكون قدرة الغنوشي في المبادرات وانما في علاج المشكلات ، لانه عادة ما يتمدد في العواصف ويطل بأفكاره و يعود لينكمش في حالات الهدوء ، وعلى عكس الكثير من السياسيين و المفكرين يصاب آداء الغنوشي في مراحل السكون والحراك الآلي الروتيني بالضمور اين تنطوي قريحته السياسية وتسترخي طاقة الضخ لديه .

    أعاد التفاعل الايجابي والواسع لابناء النهضة مع حوار الغنوشي على الجزيرة والاحتفاء بردوده وتثمينها ، هاجسا طالما تجاهلته النهضة وتبرمت من طرحه ، وحاولت بعض قياداتها الهروب الى الانكار ، اذْ لا يمكن بحال المرور عرضا على حالة الالتفاف التي يصنعها الغنوشي وتعويم رمزيته الناتجة والقادرة على الربط و التمْسيك . صحيح انه لا خلاف في ان النهضة تملك قيادات متميزة وغير متباعدة في الأداء ، لكن الاكيد ان المسافة الفاصلة بين الغنوشي وبقية الرموز النهضاوية مخيفة ، وان أي غياب للرجل قد يصيب الجسم بحالة من التلعثم اقله في المرحلة الاولى ، ليس لان الغنوشي بذلك التميز الكبير او لانه عُمق السياسية وهم حواشيها ، بل لانه يحسن التعامل الى حد بعيد مع “البسكولة” ولديه حس رهيف يجعله يقارب بشدة ولا يخسر الميزان ، وهي حرفة تصنعها التجربة والجرأة المدروسة بعناية.

    يعود بروز الغنوشي بقوة لخبرته في توقيت الاندفاع ونجاحه في الاختراق حين يَهمّ ، وذلك نتيجة اكتسابه لجرأة المبادرة وايضا انطلاقا من تجربته الطويلة على رأس الحركة ، واحسب ان ملكات الغنوشي لم تتخلق في جزيرة معزولة عن بقية قيادات وابناء الجسم النهضاوي ، لذلك تجدر الاشارة الى ان المبادرة الذكية والجرأة التي لا تخدش الانضباط التنظيمي من شأنها تصعيد عناصر اخرى وتقريبها لتلتحم بالرقم واحد في التنظيم ، وعلى قيادات النهضة عدم العزوف عن المنافسة اذا كانت مسيّجة بأخلاقيات عامة متعارف عليها ، لأنه وفي كل الاحوال لن يكون الغنوشي على رأس النهضة بعد سنوات طالت ام قصرت ، لذلك وجب تخصيب رمزيات جديدة تحاكي الغنوشي وتكون جاهزة لاخذ المشعل في أي وقت وقادرة على سد الفراغ بل وتقديم الاضافة ، ولا يجب الخضوع لمبدء دعها حتى تقع ولا الى الغلو في الاستعفاف والتوسع في الزهد.

    في ساحة متعثرة ، واحزاب مخرومة لا تكد تلم شملها الايسر حتى ينخرم الايمن ، تقف النهضة متماسكة ملتفة حول قياداتها وخاصة حول زعيمها ، تلك نتيجة لذيذة لا يجب الركون اليها ، ليس على الغنوشي ان يخفض من سرعة انتاجه ، بل بالعكس ففي ساحة ما بعد الثورة وامام مشروع واعد يتعرض الى الهرسلة على الغنوشي ان يمر الى السرعة القصوى ، مقابل ذلك على قيادات النهضة ان تجهز انامل اخرى بديلة قادرة على مداعبة نسيجها المتباين والتعامل معه بعقلية جامعة تحسن ادراة مفارقاته .. وعلى الحركة ان لا يخالطها الاطمئنان المقعد حين تقيس وضعها بوضع نظرائها في الساحة ، عليها ان تقيس وضعها بالمأمول ، بالنجاح ، بضخامة التحديات.

    أخبار تونس الآن